عمالة الطفل العراقي / بقلم الأستاذة الجامعية : جمانة جاسم الاسدي / باحثة دكتوراه في قانون العمل
ان عمالة الاطفال من الظواهر المحاربة منذ مئات السنين والتي لم تنتهي رغم المحاولات التشريعية العالمية من قبل الانظمة الداخلية والصكوك والاتفاقيات الدولية، ولكنها بدأت في التوسع والانتشار خاصة في السنوات الأخيرة بسبب الظروف الاجتماعية والاقتصادية لبلدان العالم الثالث! ، حيث أصبح الأطفال في كثير من دول العالم مصدر دخل للأسرة، ومنهم العراق، فبتنا نشاهد عمالة الاطفال امرا ويكأنه ممارسة طبيعية، ووصل الامر الى ان تسجل منظمة اليونيسيف العالمية احصائية تشير الى انجراف اكثر من نصف مليون طفل عراقي دون سن الخامسة عشر عاما في العمل لتأمين قوت عوائلهم خلال السنوات العشر العجاف الماضية، كما ذهبت الى التحذير من ان ما يقارب السبع ملايين ونصف المليون طفل هم بحاجة للمساعدة، وهذه الارقام واقعا تشكل ثلث الاطفال العراقيين واوضحت انهم لجئوا الى العمل حتى وان كان شاقا مرهقا مقارنةً مع نعومة اظفارهم، ان الحرمان المادي وعدم القدرة على اشباع مقومات الحياة الاساسية اضافة الى اضطرابات الاسرة وانخفاض المستوى التعليمي للوالدين وقلة الوعي بمستقبل الطفل، وما حصل في العراق من بعد 2014 من تهجير ونزوح، ساهم في انتشار ظاهرة عمالة الطفل العراقي وحملته اعباء ثقيلة لا تتناسب معه وتنتهك حقوقه في طفولة امنة .
وبالرجوع الى موقف المنظومة القانونية العراقية من هذه الظاهرة وتحديد الاطار العمري للطفل، نجد ان المشرع العراقي في القانون المدني رقم 40 لسنة 1951 المعدل قد حدد سن الرشد بتمام الثامنة عشر سنة في المادة 106 منه، وعليه ما دونه صغير ، ثم اتى قانون رعاية القاصرين رقم 87 لسنة 1980 المعدل لتسري احكامه على هذا الصغير الذي لم يبلغ سن الرشد وعلى الجنين في المادة 3 منه، بعدها اكمل قانون رعاية الاحداث رقم 76 لسنة 1983 المعدل بيان وصف ذلك الصغير او الحدث، لتنص المادة 3 منه على انه : (يسري هذا القانون على الحدث الجانح وعلى الصغير والحدث المعرضين للجنوح وعلى أوليائهم بالمعاني المحددة أدناه لأغراض هذا القانون : أولاً : يعتبر صغيراً من لم يتم التاسعة من عمره . ثانياً : يعتبر حدثاً من أتم التاسعة من عمره ولم يتم الثامنة عشرة. ثالثاً : يعتبر الحدث صبياً إذا أتم التاسعة من عمره ولم يتم الخامسة عشرة . رابعاً : يعتبر الحدث فتى إذا أتم الخامسة عشرة من عمره ولم يتم الثامنة عشرة )، وكذلك فعل في قانون العقوبات رقم 111 لسنة 1969 المعدل في المادة 66 منه ، اما قانون العمل رقم 37 لسنة 2015 النافذ فقد نص في مادته الاولى وبفقراته العشرون والحادي والعشرون على تعريف العامل الحدث والطفل، بنصها : (العامل الحدث: ولأغراض هذا القانون ، كل شخص ذكرا كان ام انثى بلغ (15) الخامسة عشر من لعمر ولم يتم (18) الثامنة عشر، والطفل: اي شخص لم يتم (15) الخامسة عشر من العمر)، وعليه نستشف من كل ما سبق ان المشرع قد حدد الصغير بدون تمام الثامنة عشر ولكنه استدرك القول بتصنيف ذلك الصغير بين (طفلا لم يبلغ الخامسة عشر) وبين (حدث بلغ الخامسة عشر)، واجاز عمل الحدث استثناء وبأحكام خاصة في المواد (95-105) ، وذلك فيه مراعاة لحالة الطفل صحيا ونفسيا.
وباستعراض موجز لحماية الطفل العراقي نلاحظ ان ديباجة الدستور النافذ لسنة 2005 قد اكدت على الاهتمام بالأطفال وشؤونهم ونص في المادة 29 اولا منه على :(ب- تكفل الدولة حماية … والطفولة)، ولكنه لم يشر الى تجريم عمالة الاطفال صراحة، وهذا نقص دستوري واضح، اما قانون العمل سالف الذكر فقد اشار في المادة 11 /ثانياً : (يعاقب بالحبس مدة لا تزيد عن ستة اشهر وبغرامة مالية لا تزيد عن مليون او بإحدى هاتين العقوبتين كل من خالف احكام المواد الواردة في هذا الفصل والمتعلقة بتشغيل الاطفال والتمييز والعمل القسري والتحرش الجنسي وفق كل حالة)، وبذلك يكون القانون قد منع وجرم الاعمال التي تسيئ للأطفال عبر تشغيلهم واستغلالهم ، بالإضافة الى ذلك اشار الى في الاسباب الموجبة للقانون على القضاء على تشغيل الاطفال والحد الادنى لسن العمل .
يمكن القول ختاما، ان قانون العمل العراقي اولى عمالة الاطفال اهمية بدليل ما بيناه سابقا من تنظيم احكامه ومعاقبة المخالف، ولكن المشرع العراقي لم يفعل التشريعات التي تلزم المدارس بمتابعة الاطفال المتسربين منها، وندعوه الى تشديد العقوبة على من يشغل الاحداث في اعمال خطرة ومرهقة لا تناسب اعمارهم او تشغل اطفالا دون الحد الادنى للتشغيل، ولم يأخذ الاعلام دوره المرجو منه للتوعية بخطورة عمل الاطفال والكشف عن العقوبات التي يتعرض لها صاحب العمل في حال تم تشغيلهم دون السن القانوني، وتضائلت المتابعة الدورية من قبل المعنين في وزارة العمل والشؤون الاجتماعية لاماكن العمل وتشخيص حالات عمالة الاطفال وغيرها وفق المادة 127/اولا ، عبر لجانها التفتيشية المزمع تشكيلها وفق المادة 128 لتشخيص هذه الحالات .